المقترحات العملية لسياسة تشريعية تنهي ظاهرة المساكن العشوائية
بقلم التدريسية / جمانة جاسم الاسدي
ظهر مصطلح (السكن العشوائي) بشكل متزايد منذ فترة ليست بالبعيدة في مجال التخطيط العمراني معبرا عن مناطق السكن غير الشرعي وغير المجاز من قبل الدولة، حيث لا تتطابق المعايير والشروط المطلوبة في المساكن كونها غير منتظمة ومتدنية عمرانيا ولا تشملها خدمات مديرية البلديات عامة، ويمكن تعريف المساكن العشوائية بأنها: “مجتمعات سكانية نشأت في غياب التخطيط العام وخروجا على قوانين وتشريعات البناء وتعدياً على أملاك واراضي الدولة”، وتعد هذه المساكن غير منظمة وتفتقر لأبسط مقومات الحياة كالحد الأدنى من كافة أنواع المرافق الأساسية من: (مياه، وصرف صحي، وكهرباء)، وحرمت من الخدمات الأمنية او التعليمية او الصحية وحتى المواصلات العامة، ومن اهم أسباب ظهور المساكن العشوائية هو ارتفاع معدل النمو السكاني نتيجة الزيادة الطبيعية مع ثبات مساحة الأراضي الزراعية والأراضي الفضاء، مع ملاحظة تركز الكثافة السكانية في مناطق محددة.
ويمكن لنا إعطاء مفهوم واضح للمساكن العشوائية، على انها عبارة عن تجمعات سكانية شيدت بجهود شخصية بسيطة وتدار بإدارة شخصية، وتتسم ببنية تحتية وظروف سكن متردية غالبا، بمعنى ان المساكن العشوائية تتم من جانب الافراد بدون أي تخطيط مسبق لمناطق البناء فضلا عن انها لا تخضع للقوانين والقواعد التي تنظم النمو العمراني وبالتالي تعاني من كثافة عالية من السكان وتدني مستوى الخدمات اللازمة.
بعد تنامي ظاهرة المساكن العشوائية والتي يمكن ان تتفاقم مستقبلا عند غياب الحلول التشريعية، التي تعتبر أحد اهم المشاكل الحضرية التي تواجه العديد من المدن في البلاد، حيث تعد المساكن من اهم وسائل المعيشة التي ينتابها الكثير من المشاكل بسبب تعدد وظائف الحضارة وتنامي اعداد سكانها، وتطور حجم المدن بالكثافة السكانية، لذا يعد تخطيط المدن عاملا مهما في تنظيم استعمالات ارضها ضمن حيزها المكاني، لأنها تعد الواجهة الحضارية للبلد والتي تعكس مدى تطوره وتقدمه، مما اسفر عن ذلك انتشار ظاهرة المدن العشوائية (السكن غير القانوني)، وما نتج عنه تأثيرات واسعة في مجال توفير الخدمات والبنى التحتية والانعكاسات السلبية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فغياب سياسة إسكان منظمة تمكن الافراد ذات الدخل المحدود للحصول على مساكن بما يتوافق مع حاجتهم الاجتماعية وإمكاناتهم الاقتصادية، لذا يتطلب الامر بذل جهود من قبل الجهات المسؤولة والمختصة لوضع الحلول والمقترحات التشريعية الجذرية لمعالجة مشكلة السكن العشوائي.
وللحافظ على جمال الهوية العمرانية للنسيج العمراني للمدن وعلى هيبتها وثقافتها وتاريخها الذي يميزها عن بقية المدن، فضلا عن تحقيق توازن للحياة الاجتماعية التي هي نتاج قيم إنسانية متوارثة نتجه نحو الدعوة لوضع تشريعات صارمة تحترم ظروف هذه المدن وتاريخها واحتياجاتها الحالية والمستقبلية مع تفاق الاعداد السكانية وادامة صيانة المدن وتوفير الخدمات فيها بشكل مدروس ومنظم، وكل مدينة تختلف من مكان الى آخر في جميع مدن العالم باحتياجاتها لخصوصيتها الجغرافية او الاقتصادية او الدينية او الثقافية او غيرها من معالم تميز المدن، الا ان هذا الامر يتطلب وقتا طويلا بالإضافة إلى تدخل جاد وحازم من قبل السلطات العامة، كما ولابد من ان يكون هنالك خطوات سريعة من اجل المساهمة في حل جزء منها لتكون هي الانطلاق نحو تحجيمها قبل الاستفحال الكبير وإيجاد حلولاً جذرية لها بعد دراسة واقعية معمقة.
فمن المعالجات التشريعية التي ندلي بها هو امكانية قيام الدولة بطرح أراضي مخصصة للبناء بمواصفات معينة تتناسب مع احتياجات الاسر القاطنة في المساكن العشوائية وبأسعار مناسبة تتلاءم مع وضعهم الاقتصادي، وتكون هذه الاراضي منظمة التقسيم ومزودة بالمرافق العامة الأساسية مع وجود رقابة فعلية حاكمة على حدود المدن والأراضي التابعة للدولة وتجريم البناء عليها من دون تراخيص وسندات تمليك.
ومن الحلول المقترحة ايضاً بناء مجمعات سكنية منخفضة التكلفة او واطئة القيمة، وتمليك أصحاب المساكن العشوائية اياها بمقابل ثمن، تتم دراسته من قبل اللجان المختصة وتقرير ما يناسبهم، ليكون استحصال الثمن بشكل آني او على وجه التقسيط الشهري، ولكن هذا الامر يحتاج الى تشريعات برلمانية قبل ان ترسل للوزارات والدوائر المعنية لغرض التنفيذ، او ان يتم الاستعانة بشركات كبيرة لبناء وحدات سكنية بتكلفة منخفضة من اجل القضاء على هذه الظاهرة من المباني غير الحضارية لاسيما انها أصبحت بيئة غير صحية للمواطنين القاطنين فيها انفسهم، بسبب غياب الوعي الصحي وما يترتب عليه من مظهر غير محبذ، حتى تكاد بعض المناطق توصف بانها بؤرة للفقر والجهل والانحراف السلوكي وتجارة المخدرات والسلاح، ومأوى للمطلوبين للقانون، مما يسيئ لبعض المواطنين المتعففين الساكنين في هذه المناطق قبل غيرهم.
ولابد من وجود إجراءات فعالة تساعد على الحد من هذه المساكن العشوائية وعدم اتساعها عبر إيجاد بدائل مناسبة للفرد فمثلا يتم التعاون بين الجهات المختصة وأصحاب المساكن في إعادة تنظيم وبناء تلك المساكن، ان لم تكن في مناطق لا يمكن تمليكها لهم.
كما يمكن ان يكون هنالك شراكة فعالة بين القطاع العام والخاص في هذا التنظيم والبناء، وإعطاء الموضوع الأهمية القصوى في قوانين الدولة وتخصيص فقرة في الميزانية السنوية، ضمن خطة استراتيجية بقرار رئاسي او وزاري بما يناسب حجم المشكلة من قبل وزارة المالية لتمويل مشاريع المجمعات الاسكانية لحين تقليل او انهاء المشكلة بالكامل، وهذه ايضا احدى الحلول لهذه الظاهرة.
ان اجراء مسوحات دورية استكشافية عن العوائل التي بدون مأوى واجبة، لتقصي اعداد وظروف الفقراء والمهاجرين والمهجرين وتحديد هويتهم ومصادر هجرتهم في جميع المحافظات، وعدم السماح للمستغلين او ممن لا تنطبق عليهم الشروط ان يندرجوا في هذه المسوحات الاحصائية، تحت اشراف وزارة التخطيط وبالتعاون مع السلطات المحلية، ويعتمد على ذلك من خلال تدقيق هذه المسوحات على سجلات التسجيل العقاري لإثبات عدم امتلاكه أي عقار خاص به او بأحد افراد العائلة التي معه، كما يمكن ان يكون هنالك تعاون مع العتبات المقدسة كما في كربلاء والنجف بمعية مجالس المحافظات والدوائر الخدمية والتي سيظهر دورها واضحا في السيطرة على المساكن العشوائية وحل ازمة السكن من خلال توفير سكن بمستوى يبلي احتياجات الطبقات المتوسطة وقليلة الدخل وتأجيرها عليهم او بيعها بشكل الدفع المقسط.
هذا بالإضافة الى وجوب تفعيل دور صندوق الإسكان بعد اجراء التعديلات على تعليماته خاصة في شروط منح القروض ومدة التسديد ونسبة الفائدة وآلية التنفيذ، كما يمكن الزام المصارف الحكومية والأهلية والاستثمارية بتحديد جزء من نشاطات المصرف بتسليف المواطنين في مجال القطاع الاسكاني وحسب الضوابط التي تعد لهذا الغرض وبإقساط مريحة، ولتكن هنالك عروض تنافسية بين المصارف، فكل تنافس مشروع لخدمة المواطن محمودة عواقبه.